أخبار عاجلةأخبار مصراخبار عربية وعالميةالأدب و الأدباء

الدكتورة / فايزة حلمي تبحر داخل الشرايين الفكرية للمبدع / خيري شلبي

احجز مساحتك الاعلانية

الإبحار داخل الشرايين الفكرية للمبدع / خيري شلبي

    المتصفّح لأوراق مبدعنا الحياتية ونَبْتاتِه الفكريّة, يجد أنه كان القيثارة التي عزفت آلام المُهمّشين ألحانا متباينة, والفرشاة التي رسَمَت معاناتهم وياللعجب بألوان البهجة,  راصدة لدقائق ما كان لمبدع إلتقاطها بهذه الدقة مالم يكن رادار إحساسه مُتّسع المَدَى, ليرصد لنا واقع المطحونين الفاقدين لإتّزانهم بِفِعل دورانهم بدواماتهم اليومية, ولوجدان كاتبنا كاميرا تسجّل لحظات هذه الفئة المُعاشة.. مثل لقطة توقف بها الزمن ليلتقط المَعنى.

    والمُحاول رسم ملامح نفسيّة لكاتبنا, عليه فقط الإمعان لنظرة عينيه بصِوَرِه, ليكتشف كَم الثقة بالنفس المُتَشبّع بالرِضا الذي يطلّ علينا به, إنها ليست نظرة تصويرية ..بقدر ماهي بِئريّة العُمق..واضحة التسامي فوق الأوجاع بكل ترانيمها الوخزيّة على روحه, التي تدَثّرت بالحب سياجا حانيا, متضافرا بلامحدودية, ثقة بالنفس أكسبته صلابة نفسية نابعة مِن روافد أسريّة دعّمت تقديره لذاته, فإمتلأت أروقة وجدانه وفِكره بثراء معرِفي مُشبِع .. أغناه عَن الثراء المادي الذي لم يشعر يوما بإفتقاد توافُرَه .. وما سعي ليُدركه,فقد كان عازفا على ناي الإستغناء .. وما إستشعر قلقا مِن تقلّبات الحياة, فقد إستمتع بأرجوحتها صعودا و..هبوطا , وما غيّرته عن ثباته أيّا ما كان موقعه مِن الإعراب المادي فيها..فيكفيه كثرة روافده الفكريّة التي ثبّتته كالوتد لا تزعزعه رياح الحياه, فأوجدت لديه مناعة نفسية يواجه بها المُراقبين لقارِبه المُبحِر بمحيطات المُعْدَمين الذين يمتهنون الأعمال الأقل شأنا وعائدا …ليرصد بدقة ومُعايشة أصيلة لمعاناتهم…… ومعها .. أحلامهم العصيّة على التحقق.

    خيري شلبي كأصداف المحيطات, كلما مَرّ عليه حَدَث, إستنبت داخله لؤلؤة ًفكرية سرعان ما يصدّرها لنا بإكتمال نضجها, بصرف النظر عن حجمها..حسب ماصادفه..فأحيانا تكون اللؤلؤة قصة قصيرة وأحايين أخري رواية.. وقد يكتفي بمقال ..فما تركه لآليء تتزيّن بها العقول التي تقتنيها.

وكلما مضي بمساراته الحياتيّة كلما أرسل لنا يمامات الأحبار الصادحات..أسرابا تحملُ لنا أحلام فئة … سرمديّة المعاناه.

     وبصرف النظر عن المكان والزمان الذي جاء  منه ..وفيه هذا الفنان الذي قارب أن يكون شاملا, فقد أنتج لنا تشكيلة مواصفات إنسانية , هي كوكتيل بأريج مزيج مِن العطور تتسامى في لحظات الإلهام, فتُبدع لنا إنتاجا بألوان طيفية..مِن الصعب فصل ألوانِها بعضها عن بعض, فتداخل الأنواع الإبداعية لديه أضفي غلالة إنبهرنا بها معا دون أن يستأثر بوجدانِنا أحد أشكال الإبداع .. بل ها هو المبدع الذي يُحْتفَى به اليوم, هو العازف لكل هذه الألوان التناغمية بإحترافية متفرّدة, أوجبت حصوله على العديد مِن الجوائز كتكريمات لمتناولاته ذات المَذاق المميَز.

   والمُلاحِظ لشخصية المُبدع/ خيري شلبي, يجد لديه قدرة إستغنائية عن المديح سواء مِن النقّاد أو مِمَن حوله, فهو يكتب ما يَعن له ويبلوره بالكيفية التي يراها, دونما تنميق مَتعمّد ولا صنعة مقصود بها خروج مُنتجه الفِكري في قالب طبقا لمواصفات مَرْضِي عنها مِن النقاد, لا .. فهو يكتب بتلقائية وعفوية أكسبته إياها ..  تراكميّة ثقافية أصيلة مُستندة على أساس له سِمَة الثبات.

  ونحن نستطيع أن نتعلم الكثير مِن كتابات مبدعنا, وهو لم يكن يعنيه ولا يشغل فِكره أن توجِّه كتاباته رسائل إرشاديّة لقرائِه, ولكنّها قامت بهذا الدور عن غير قصد فنحن لا نستطيع الإمساك به قاب قوسين أو أدني من إرشادِنا, فقد كان يرتاح على ضفاف التعب, وهو يصنع خبز الكلام مِن قمح روحه….

         لكنّنا ببساطة تعلّمنا مِن رحلته.. أن الإخلاصَ في العمل يؤتي ثماره, فهو لم يسع لشهرة ولا للحصول على منصب, ومع ذلك ها نحن هنا اليوم جميعا نلتقي تحت ظِل خيمة أرواحِنا, لنحظىَ بوليمة توثيق بصمات خُطى فِكرِه على صفحات التاريخ, نتناوب على سردِها لنروي بها عَطش مُفترق المستحيل..بين حرارة حضوره الآني الطاغي ..وصقيع إفتقاده …لذا ستظل تؤرّقنا مشاعر الكاظمين الشوْق…..تتسامى على أجنحتها تحية إليه….بعِطر أحبارِنا الملوّنة.

خيري شلبي..مابين وكالة عطية..وصهاريج اللؤلؤ..ترك وجَعَا ..وقَلَمَا نازفَ الثنايا

 نتحدّث عنه, بأنّه كان مِن أبرع الكتّاب وصفا للمجتمع المصري ثقافيّا، إجتماعيا، اقتصاديا وسياسيا بأسلوب ليس له نظير, فقد كان من أوائل من كتبوا مايسمى الآن بالواقعية السحرية.

        والكثيرون سوف يتناولون كتاباته  التي قاربت على سبعين, مابين الروايات والمقالات النقدية, ومجموعات القصص القصيرة..وغيره مِن صِوَر نثرياته التي أبهرت الكثيرين, حتى أنه حصل على جائزة نجيب محفوظ عام 2003 عن روايته    وكالة عطيّة والتي تُرجمت إلى اللغة الإنجليزية تحت إسم  ”  بيت  الضيافة” The Lodging House 

وحصلت  هذه الرواية على جائزة أفضل رواية عربية عام(1993):

    وقد أدرج اتحاد الأدباء العرب “The Lodging House” كواحد من “أفضل 105 كتاب”.  

وقد تُرجِمت أكثر مِن رواية لكثير مِن اللغات مثل الروسية والإيطالية والفرنسية والإنجليزية

من أشهر رواياته : السنيورة، الأوباش، الشطار، الوتد، العراوى، فرعان من الصبار، موال البيات والنوم، ثلاثية الأمالى (أولنا ولد – وثانينا الكومى – وثالثنا الورق)، بغلة العرش، لحس العتب، منامات عم أحمد السماك، موت عباءة، بطن البقرة، صهاريج اللؤلؤ، نعناع الجناين.

إحدى روايات المُبدع  المُتنوّع المُتفرّد الأستاذ/ خيري شلبي:

“رحلات الزمن للرجل الذي قام ببيع المخلّلات والحلويّات”

نُشرت في عام 1991 ، وتُرجِمت الرواية إلى اللغة الإنجليزية عام 2010 من قِبل مايكل كوبرسون Michael Cooperson على أجزاء،  ويبدو نَمط الكتابة مُطوّل ، على الأرجح لأن المترجم بقي قريبًا جدًا من النص العربي الأصلي.

وترجمات المترجم تستحق القراءة لأنها تشرح صعوبة القرارات التي يتعين على المُترجم القيام بها للحفاظ على الترجمة القريبة مِن الأصل, مع جعله جذابًا للقراء الإنجليز.

وهي ليست في الحقيقة رواية تاريخية, بل قصة سريالية, وتتطلب رواية  “السفر عبر الزمن” قراءة دقيقة ومدروسة من أجل إلتقاط ما بها مِن الخفايا.

هي عن  ابن شلبي ، مثل العديد من المصريين ، يبحث عن وظيفة ومع ذلك ، وعلى عكس معظم مواطنيه ، فهو عرضة للاضطرابات المفاجئة في الوقت , ومسلّحاً بحقيبتة الموثوق بها وساعة يده ذات التقويم الإسلامي ، وثب بشكل لا يمكن السيطرة عليه خلال العصور الفاطمية والأيوبية والمملوكية ، مع زيارات متكررة ومتباعدة للتسعينيات.

وعلى طول الطريق ، يلتقي المشاهير مثل جوهر ، مؤسس القاهرة. كما يصادف مسافرين آخرين ، بمن فيهم المؤرخ المقريزي,  وبعد أن فشل مسجله الكاسيت في التأثير على  الخليفة الفاطمي ، وجد نفسه محاصراً في القرن الثالث عشر, ينضم إلى البرابرة  أكلة لحوم البشر ، وأسرى الحرب الذين استولوا على مخزن اللافتات الضخم وأقاموا دولتهم الخاصة في تحد للنظام المملوكي, فإضطر ابن شلبي  للعب دور العميل المزدوج ، وقُبض عليه في الصراع بين الثائرين والسلالة الحاكمة

نجدها عن رجل مصري عادي في العصر الحديث يمكنه السفر عَبر الزمن وليس لديه سيطرة على نفْسه عندما يُلقَى به في الماضي أو المستقبل، وعليه النظر لساعة يده لمعرفة ما هو عليه العام.

بالطبع هي قصة سريالية, والشخصية الرئيسية في الرواية هو البطل الذي دائما مُحاطا بالفوضى, ومع ذلك تمكّن مِن مراقبة كل التفاصيل في محيطه وهو ذكي، وشخصية مسلية يخلط مرارا وتكرارا الشخصيات التاريخية بظواهر العصر الحديث.

وقد تبدو القصة مفككة ومُربكة على الرغم من أن هذا يمكن أن يكون هو هدف المؤلف

المرجع:

-amazon. (2010): the time travels of the man who sold pickles and sweets. www.amazon.com

– cairo360. (2011):khairy-shalaby .the time travels of the man who sold pickles and sweets. www.cairo360.com

رواية أخرى مُترجَمة للمُبدع المتنوّع المُتفرّد الأستاذ/ خيري شلبي:

       “وكالة عطيّة”

حصلت على جائزة نجيب محفوظ للأدب عام(2003)، وشملت الجائزة ترجمة ونشر العمل باللغة الإنجليزية من قِبَل الجامعة الأمريكية في القاهرة. وقام فاروق عبد الوهاب(هو الإسم المُستعار لفاروق مصطفي) ، أستاذ محاضر ابن رشد في اللغة العربية بجامعة شيكاغو بترجمة الرواية تحت إسم دار الضيافة “” The Lodging House

وقد فاز فاروق عبد الوهاب بجائزة سيف غباش بانيبال للترجمة الأدبية العربية لترجمته للرواية ، التي نشرتها الجامعة الأمريكية في القاهرة  تحت عنوان The Lodging House.

وتعكس هاتان الجائزتان الرئيسيتان إنجازات كل مِن شلبي في كتابة روايته الرائعة ، وفاروق عبد الوهاب في إضفاء الحيوية على ترجمة الرواية باللغة الإنجليزية.

والرواية عن شاب صغير … واحد من جيل الفلاحين وفقراء المدن الذين يرتفعون مع اتساع نطاق التعليم, تحطمت أحلامه لمستقبل أفضل كطالب في معهد المعلمين بعد أن اعتدى على أحد معلميه للتمييز ضده, ومنذ هذا الحين فصاعدا ، يبدأ هبوطه إلي العالم السفلي ، فيسعى للحصول على مأوى في “وكالة عطية” ، وهو كان عبارة عن فندق تاريخي في مدينة دمنهور, ولكنه الآن ممتليء تمامًا وأصبح موطنًا للشخصيات الهامشية والمحرومة في المدينة.

تأخذ هذه الرواية الحائزة على الجوائز أبعادًا ملحمية, فهي خلاصة حكيمة وفوضوية وحيوية ومتعاطفة للحياة في أكثرصورها إضطرابا وأشدّها حماسا,  بينما يرافقنا الراوي في رحلة إلى هذا العالم السُفلي ، حيث يصور  الشخصيات العديدة التي تسكنه من خلال متاهة من الحكايات”بينما يتعمّق أكثر في علاقاته المعقدة” ، تذكّرنا بالتقليد العربي الشعبي في رواية القصص ، نحن ندخل إلى هذه الكائنات الهامشية ، التي تتذبذب حياتها بين الواقعية الرائعة ، المعاصرة والخالدة ، والعلاقة بين الطبقة الوسطى المُهَمّشة حديثا والطبقة الشعبية الهامشية بالفعل, وبينما يبدأ الراوي كمشاهِد لحياة هؤلاء الأشخاص ، سرعان ما أصبح جزءًا لا يتجزأ من مجتمع المأوى.

وتعطي الرواية السخية المبهجة صورة حية للمدينة وعلاقتها بالمناطق الريفية النائية, حيث  يستقطب المؤلف بشكل مُقنِع عالمًا من الأشخاص الذين يتنقلون باستمرار , مثل الفلاحين، أو الطلاب، أو التجار، أو العرافين، أو الغجر، أو الأفندي، أو الشيوخ، أو الدراويش, وهناك شعور قوي بالمكان والروائح والأصوات والمشاهِد في شوارع وأحياء المدينة.

المراجع:

Amazon.(2007):Lodging House .Khairy Shalaby .amazon.com

global.(2009) the lodging house. global.oup.com

– . Susannah Tarbush (2007): the lodging house by Khairy Shalaby .banipal.co.uk

ورواية متميّزة أخرى للمُبدع المُتميّز الأستاذ/خيري شلبي

                نادل الحشيش   The hashish waiter

قال آدم طالب ، الذي ترجم نادل الحشيش ، عن نثر شلبي:

“الشيء الأكثر متعة والأكثر صعوبة حول نثر خيري هو الطريقة التي يمزج بها مستويات اللغة في جملة أو فقرة واحدة, ولا يدخل خيري في الأشياء التنبوئية أو الفلسفية أو الساذجة … يبدو أن هناك الكثير من المرح عندما يكتب ، أعتقد أن ما أحاول قوله هو أن خيري لا يقضي الكثير من الوقت في البحث عن القصة ، ولا ينظر فوق كتفه مثل بعض الكتاب وهو لا ينفق الكثير من الطاقة التي تقلق بشأن ما سيقوله النقاد ، لم أسأله ، لكنني متأكد من أنه لم يقض يومًا تفكيرًا لمدة ثانيًة حول كيف قد يبدو هذا عند ترجمته.

ولا تزال الروايات العربية تجري محادثة مع الثقافة بشكل عام   فهي متداخلة للغاية وهي تنعكس في أسلوب الرواية, وخيري شلبي فنان مهم وناقد جيد أيضًا ، لكنه لا يدخل لهذا النوع من الأشياء، خيري يحاول أن يُظهِر أن الروايات لا يجب أن تكون فكرية بشكل واضح ، أو حول المثقفين ، للتعامل مع المسائل السياسية والاجتماعية الهامة بطريقة معقدة للغاية.

ورواية نادل الحشيش تحكي عن  مجموعة من المثقفين تعيش في حي متهدم، بعيداً عن الأنظار المتواجدة في وسط القاهرة المعاصرة، حيث يجتمعون بانتظام لتدخين الحشيش في وكْر يُسمَى  “حكيم”, وهذا الوَكر هو مركز حياتهم ، ملجأ ومأوى ، وفي وسطه يوجد رجل مَلحوظ هو الذي يحافظ على أوعية الحشيش الخاصة بهم متوهّجة على صفير صالح.

في حين أن حياته السابقة تمثل لغزًا لزبائنه المخلصين من الكتاب والرسامين والمخرجين السينمائيين وحتى المصمّمين ، فإن كل واحد منهم يرى نفسه ينعكس في صالح. ولكن من دون روح الدعابة ، أو التواضع ، أو البصيرة ، أو مشاعره العَرَضّية.

والشخصيات في الرواية متعددة الثقافات بشكل مذهل: هناك مصريون وأوروبيون وعرب خليجيون ، وهناك تنوع كبير بين الشخصيات المصرية – من ذوي التعليم العالي إلى فقراء الحضر إلى المزارعين الريفيين.

هذه رواية كوميدية ذات قلب مكسور جداً مثل صالح نفسه ، الذي يصرخ صوته الخشن الحار بعد فترة طويلة من تعافينا من خاتمة الرواية المؤلمة.

يقدم ناشر الحشيش قراءة مُسلية بالإضافة إلى عدسة قديمة جديدة نطل منها على الحياة في مصر المعاصرة. المصري اليوم الطبعة الإنجليزية.

المراجع:

Amazon. (2016): Hashish Waiter Khairy Shalaby. www.amazon.com

–  The American University in Cairo.(2009): The Hashish Waiter. http://www.aucpress.com

 

*مستشار نفسي وتربوي

 

 

احمد فتحي رزق

المشرف العام

Related Articles

Back to top button